قصة مناظرة العلامة الشنقيطي في فناء النار أنكرها علماؤنا
أول ما قرأتُ كتاب (مجالس مع فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله التي كتبها /الشيخ أحمد الشنقيطي) استنكرتُ بعض ما ورد فيه فأرجعتُ العلم إلى عالمه فتوجهتُ إلى سماحة شيخنا العلامة صالح الفوزان تلميذ الشيخ محمد الأمين في كلية الشريعة غفر الله لهما سائلا عن بعض ما ورد في الكتاب خاصة مسألة فناء النار ونسبة ذلك لعلماء الدعوة من عهد الإمام محمد بن عبدالوهاب أجزل الله له الثواب إلى سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله , فقال الشيخ صالح : هذا ليس بصحيح , وهي دعوى لا دليل عليها وعلماؤنا يقررون عدم فناء النار ويشرحون كتب السنة والمعتقد التي تقرر أبدية النار , ولا يعرف عنهم غير ذلك, ثم قال الشيخ صالح حفظه الله: شيخنا الشنقيطي قليل الكلام إلا في العلم النافع ولا يمكن أن يتحدث عن نفسه أنه فعل وفعل هذا بعيد جداً, ثم وجهني أن أهتم بالموضوع , فكتبتُ خطاباً إلى الشيخ أحمد الشنقيطي (مؤلف الكتاب) ونص الخطاب: فضيلة الشيخ الكريم أحمد بن محمد الأمين الشنقيطي غفر الله ذنوبه, وستر عيوبه, وأحسن عاقبته . سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد : فأسأل الله أن يصلكم خطابي وأنتم على أحسن حال, وأنعم بال . فضيلة الشيخ سررتُ بمجالسكم العامرة مع الشيخ الحافظ العلامة محمد الأمين - رحمه الله رحمة واسعة- وما حواه المؤلَّف من العلوم والفوائد, لكن استوقفني فيه ما نُسِب لعلماء الدعوة في هذا البلد الكريم -رحمهم الله- من الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى الشيخ محمد بن إبراهيم وأنهم يقولون بفناء النار!! وهذا القول لا يُعرف قائل له من أئمة هذه الدعوة, وقد نظرتُ في الدرر السنية وهي في ستة عشر مجلداً كلها للمشايخ , وكذا فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وفتاوى الشيخ ابن باز رحمهم الله ولم أر طرفاً لهذا القول,(بل الموجود خلافه فقد نص الإمام المجدد رحمه الله على أبدية النار وأنها لا تفنى كما في الدرر السنية[1/32] وعلى ذلك سار أئمة الدعوة إلى زماننا). والشيخ محمد الأمين حباه الله سعة في العلم والاطلاع يبعد أن ينسب قولاً لا يوجد في كتب أصحابه, بل تقريرهم على خلافه إلى وقتنا هذا. ذكرتم في كتابكم -رحمكم الله- في ص76 أن الشيخ-غفر الله له- عزم أن يأتي الكافر(قنصل فرنسا) ويدفع له رشوة؛ لأجل الوساطة لدى حكومة مسلمة!! وهذه-والله- من الغرائب العجائب, ولو صحت فقد تمنيت منكم -وأنتم أدرى بما ينفع القارئ- أن تكون مما يطوى ولا يروى هذا إن صحت. الثالثة والأخيرة: ذكرتم-أحسن الله إليكم- في ص26 أنكم اشترطتم على الشيخ ألا يعلمكم علماً استفاده من علماء هذا البلد, وتعنون علم التوحيد خاصة في باب الأسماء والصفات, سؤالي هل بقيتم على حالكم منذ قدومكم, أم تحولتم إلى ما تحول إليه الشيخ رحمه الله مما استفاده من علماء هذا البلد ؟ فإن كان كذلك فقد وددت أنكم أشرتم إلى ذلك في الحاشية لئلا يفهم كلامكم على غير وجهه. أعتذر عن إزعاجكم, ومضايقتكم في وقتكم, سائلاً الله لكم التوفيق في الدنيا والآخرة, وأسأله أن يجمعنا ووالدينا ومشايخنا في الفردوس . والسلام عليكم ورحمته وبركاته كتبه/ د.محمد بن فهد بن عبد العزيز الفريح عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء) وقد دفعتُ هذا الخطاب إلى أحد الفضلاء ليوصله للشيخ فلما وصله الخطاب غضب وكان مما قال( كما نُقل لي):( كيف يخاطبني بهذا الكلمات الغليظة الشديدة)!! رحمه الله أين الكلمات الشديدة ؟ ولم يجب على الخطاب! سألتُ شيخنا العلامة الشيخ صالح اللحيدان غفر الله له عن الكتاب -بعد أن أعطيته نسخة منه- فقال: هذا هو الكتاب المطبوع بالكويت؟ قلت: نعم, قال: قرأته قبل مدة, والكاتب ليس بثقة! وقال: أنا من أعرف الناس بشيخنا محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه , وما نقله عنه ليس بصحيح, وأنا أعرف مزح الشيخ وجِدَّه. ثم سألته مرة أخرى هل أنقل كلامكم - أحسن الله إليكم- بأن المؤلف ليس بثقة؟ قال : نعم. وسألتُ شيخنا العلامة عبدالمحسن العباد غفر الله له عن الكتاب وما حواه من قصص, فقال: لا شك أن بعضها لم يقله الشيخ الأمين رحمه الله يقيناً , وأن المؤلف واهم فيها. فذكرتُ لشيخنا عبدالمحسن أن المؤلِّف لا يكتب إلا ما سمعه من الشيخ الأمين أو ينسبه إلى ناقله(على قوله)؟ فقال: فيه أشياء لا تثبت عن الشيخ الأمين ولا يمكن أن يقولها الشنقيطي ولعله واهم بل هو واهم يقيناً. وسألت الشيخ عبدالمحسن غفر الله له في وقت آخر فقال: بعض ما نقله عن الشيخ الأمين في غاية البعد , هو واهم فيها. ثم سألتُ مشايخي الثلاثة (اللحيدان والفوزان والعباد) أن أقوم بكتابة مقال عن الكتاب وأنه لا يؤخذ ما فيه على التسليم وأُضمنه ما سمعته منهم فأذنوا غفر الله لهم وجزاهم الله عن ابنهم خيراً . ثم الناظر فيما ذكره المؤلف عن الشيخ الشنقيطي في مسألة فناء النار يجد بُعداً في الاستدلال فمثلا ما نقله عن الاحتجاج بـ(يأتي على النار زمان تخفق أبوابها , وينبت في قعرها الجرجير) ووصف العلامة الشينقيطي رحمه الله للحديث بأنه ( حسن السند صالح للاحتجاج) وأنه حديث أخرجه أبوداود !! ثم ناقش الحديث بناء على أنه صحيح! وهذا محل استغراب إذ كيف يُنسب التصحيح للشيخ الأمين مع سعة اطلاعه وعلمه مع أن هذا الحديث بهذا النص لما أجده في كتب السنة التي بين يدي, فضلاً أن ينسب لأبي داود فضلاً أن يحكم عليه بأنه صالح للاحتجاج (مما يدل على أن القصة فيها ما فيها), نعم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه:( وفي المسند للطبراني: ذكر فيه "أنه ينبت فيها الجرجير") وبيّن المحقق أنه لم يجده عند الطبراني في مظانه, وفي التذكرة للقرطبي رحمه الله:(و ذكر أبوبكر البزار ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : يأتي على النار زمان تصفق الرياح أبوابها . ليس فيها أحد، يعني من الموحدين). وهو في مسند البزار بسنده عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:(يأتي على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد يعني من الموحدين), وقد قال الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال:(ومن بلاياه-يعني أبا بلج ما رواه - الفسوي في تاريخه حدثنا بندار عن أبي داود عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد) ، وهذا منكر, قال ثابت البناني: سألت الحسن عن هذا فأنكره). فيبعد أن يصحح العلامة الشنقيطي رحمه الله مثل هذا. ومما يلمح إلى خطأ القصة : الاستدلال بآية لخلود أهل الجنة في الجنة على أبدية النار وخلودهم فيها , إذ يبعد أن يكون عالم بمنزلة العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله يستدل بآية لأهل الجنة ويجعلها لأهل النار! والآية هي قوله تعالى:(وما هم منها بمخرجين) سورة الحجر فهي في أهل الجنة, قد تكون الآية التي أرادها مُورِد القصة (وما هم بخارجين من النار), أو (وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم). ثم على فرض أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كان على القول الذي أورده المؤلف للقصة (وهو فناء النار) هل مجرد أن يتكلم الشنقيطي رحمه الله يرجع مباشرة الشيخ محمد رحمه الله بلا مناقشة لأمر كان يعتقده بناء على الأدلة, وهو العالم البصير المحقق مما يوهن القصة, ثم من قال: إن الشيخ محمد كان يجلس في استراحة المدرسين!! وهو مفتي الديار السعودية قبل أن يقدم الشنقيطي رحمه الله إلى المملكة, ثم كيف يفتح هذا المجال أمام المدرسين!! ثم استراحة المدرسين كان يحضرها الكثير منهم وما ذكروا هذه الواقعة, ومن العجب أن يُنسب إلى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله أنه قال:( يا عبداللطيف ـ يعني أخاه المدير العام للمعاهد والكليات ـ الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، من الآن قرروا أن النار أبدية، وأن عذابها لا ينقطع، وأن تلك الأدلة المراد بها الدرك من النار المخصص لتطهير عصاة المسلمين), ثم يعقب المؤلف رحمه الله بقوله:( وحيث إن سماحة المرحوم -بإذن الله- العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل عبداللطيف آل الشيخ هو المرجع الأول للعلم ورعايته , وإنه اقتنع بعد هذا المجلس بخلود عذاب أهل النار المشركين بالله, وأمر بتقرير ذلك في البرامج التعليمية, فما كان يدور...) لو كان الأمر كما ذكر لانتشرت القصة وعرفها أقرب الناس لسماحته, ثم لو كان الأمر كذلك لاتضح الأمر واشتهر إذ أن التغيير ولو كان جزئياً في المقررات التعليمية أمر يقع فيه الاشتهار ! ثم بقاء النار وعدم فنائها مدونة في كتب المقررات الدراسية في الكليات والمعاهد العلمية قبل هذا المجلس -لو صح- , وكذلك تقرير هذه المسألة كان علماء هذه الدعوة يقررونها في المساجد قبل ذلك وأقول: إذا كان مشايخنا الكبار في هذا الزمن وهم العلامة صالح الفوزان والعلامة صالح اللحيدان والعلامة عبدالمحسن العباد غفر الله لهم ينكرون ذلك فمن الناس بعدهم. وقد حرصتُ على كتابة هذا المقال بعد انتشار تلك القصة المزعومة . تنبيه: مسألة نسبة فناء النار لابن تيمية رحمه الله محل نظر , وقد بيَّنتُ معتقد أهل السنة الذي هو محل إجماع عندهم أن النار لا تفنى, وأوضحتُ خطأ النسبة لابن تيمية رحمه الله في كتابي(إتحاف العباد بشرح لمعة الاعتقاد) ونقلت عنه ما هو مقرر عند أهل السنة قاطبة, والله الموفق. كتبه/ محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء 10/1/1435هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق